عدد المساهمات : 26 تاريخ التسجيل : 22/12/2009 العمر : 34 الموقع : llion-4bdes-10.skyblog.com
موضوع: الملك الاب الأربعاء يناير 06, 2010 4:36 pm
ملف تلاميذ مدرسة اهرمومو والضباط العسكريين الذين زج بهم في انقلاب الصخيرات دون دراية منهم يكاد يكون الملف الوحيد الذي ينتظر الطي النهائي؛ فبعد أن نجح المغرب، رغم كل التحفظات الممكنة، في معالجة جزء كبير من التركة السوداء
(صورة للملك الحسن الثاني بينما يقبل يده الجنرال محمد اوفقير الذي قاد انقلابا ضده في السبعينات)
التي خلفها العهد السابق (العمل الذي قامت به هيأة التحكيم المستقلة ثم هيأة الإنصاف والمصالحة)، مازال العسكريون البالغ عددهم 1200 جندي وضابط صف وضابط الذين وجدوا أنفسهم في أعقاب «انقلاب الصخيرات» (يوليوز 1971) في الزنازن بتهمة لا تخرج عن التقيد ب«الأمر العكسري»، ثم صاروا مشردين وملاحقين بعد تسريحهم من الجيش.. ينتظرون رد الاعتبار من قائدهم الأعلى حتى تطوى هذه الصفحة نهائيا.. في ما يلي الرواية الكاملة التي يقدمها الضابط العسكري بنعيسى الصيابري حيث يؤكد أنهم كانوا يجهلون أنهم يزحفون نحو الإقامة الملكية بالصخيرات لقلب نظام الحكم بالعنف، وأن ما كان في علمهم لا يخرج عن أمر وجهه الكولونيل عبابو قصد المشاركة في مناورة عسكرية.. إلى أن وجدوا أنفسهم يشاركون في انقلاب ضد المرحوم الحسن الثاني لا يعرفون عنه أي شيء..
* ما الذي وقع بالضبط أثناء انقلاب الصخيرات حتى قام العسكر بالهجوم على القصر الملكي؟ ** كنا في طور وضع آخر اللمسات على انتهاء السنة الدراسية عام 1971 بهرمومو وصفرو، وكان الجميع يستعد لقضاء عطلته الصيفية مع أهله وأحبابه..
* يعني أنكم لم تنظموا حفلا بمناسبة عيد الشباب؟ ** لا، لم ننظم حفلا خاصا بالمناسبة، فقد جاء أمر بالالتحاق بالمدرسة الملكية العسكرية بأهرمومو من أجل إجراء مناورة عسكرية..
* من أخبركم بذلك؟ ** الرائد لوراوي من الدرك الملكي، هو الذي أخبرنا بذلك، وكان ذلك ظهر يوم الجمعة 9 يوليوز 1971، مضيفا أن على جميع الضباط وبعض ضباط الصف الالتحاق بمدرسة اهرمومو، وقد تم اختيار 12 ضابطا لهذه المناورة من مجموع 20 ضابطا، ولم أكن من بين المختارين رسميا..
* على أي أساس تم هذا الاختيار؟ ** تم ذلك بناء على دراسة الملفات من قبل الكولونيل اعبابو، الذي اختار من شاء وأزاح من أراد..
* هل أغلبية الضباط كانوا ينحدرون من الريف؟ ** لا، لكن يبدو أن الأمر كان مجرد أقدار. وهذا القدر نفسه شاء أن أشارك في العملية.. حيث جاءني يومها أحد الضباط الذين تم اختيارهم واسمه امحارش، وطلب مني تعويضه، لأن والدته مريضة ويريد أخذ رخصة لكي يأخذها إلى الطبيب بمدينة الحاجب، قلت له «أنا لم يتم اختياري للقيام بهذه المناورة، ولايمكني تعويضك»، لكنه ألح علي في الطلب وكان مارا بجانبنا النقيب بلكبير وكان يحاول إحراجي.
* وماذا كان موقف النقيب بلكبير؟ ** قال له «هذا شغلكم تفاهموا بيناتكم»
* هل تأسفت على عدم اختيارك منذ البداية؟ ** لا، «علاش يبقى فيا الحال؟»، أنا جندي وملزم باحترام الرؤساء المباشرين، كنا ننضبط ونرضخ لكل ما أمرنا به، إنها التعليمات العسكرية، التي كانت لاتقبل أي نقاش ساعتها ولا جدال، لكني تضايقت من إلحاح هذا الضابط أمام القبطان بلكبير، وشعرت بأني في موقف حرج، وحتى لايقال عني أني قاسي القلب، ورفضت مد العون لزميل لي في وقت الشدة، وافقت على طلبه وتم التشطيب على اسمه، وسجل اسمي بدلا عنه. وياليتني رفضت منذ البداية، لما سيحصل من تداعيات في النهاية. المهم انتقلت رفقة الضباط وضباط الصف إلى مدرسة اهرمومو، حيث تم تجميعنا بعد زوال اليوم في الساحة الرئيسية، وكانت مكتظة بالمئات من الضباط وضباط الصف والجنود، رفقة الأسلحة والعتاد. في مساء ذلك اليوم ـ بعد وقوف الكولونيل اعبابو على الاستعدادات ـ كان لنا لقاء مباشر معه في قاعة الشرف، واطلعنا على أن هناك مناورة بمنطقة بنسليمان لاختبار تكويننا العسكري، مؤكدا أن هناك ضباطا سامين لم يتسن لهم إقناع القيادة العسكرية العليا بالقيام بهذه المناورة، وبأن مدرسة اهرمومو هي التي كان لها شرف هذا الاختيار، نظرا لمكانة ضباطها فيما يخص التكوين والجدية، مضيفا بأن العملية ستستمر 48 ساعة.
* هنا طلب الضابط أحمد الرايس، من الكولونيل إعطاءكم فكرة عن طبيعة المناورة؟ ** هذا غير صحيح، الذي طرح السؤال على الكولونيل هو الملازم الأول عدنان العربي، وليس الرايس..
* وماذا كان جواب الكولونيل اعبابو؟ ** أجابه بأنه أيضا لاعلم له بتفاصيل هذه المناورة، وبأن الجنرالات هم من يتوفرون على التفاصيل، مكتفيا بذكر مكان الاجتماع في بولقنادل، حيث سنلتقي هيئة موفدة من قبل القيادة العامة «إيطاماجور»..
* من أين ينحدر الملازم عدنان؟ ** من منطقة بنسليمان، ومن حظه السعيد أنه لم يرافقنا في اليوم الموالي، لأن الكولونيل اعبابو أعطى أوامره بحبسه، لمجرد طرح السؤال معتبرا ذلك خرقا للانضباط العسكري.
* كم كان عدد الضباط الموجودين في القاعة؟ ** لايتعدى 30 ضابطا و25 ضابط صف..
* من كان واقفا إلى جانب الكولونيل امحمد اعبابو؟ ** طبعا مساعديه المقربين، وشقيقه الأكبر الليوتنان كولونيل محمد اعبابو، ولم يكن من ضمن الحضور نائبه في مدرسة صفرو الرائد لوراوي..
* كم استمرت كلمة الكولونيل اعبابو؟ ** لم تتعد الخمس دقائق، وأمرنا بالانسحاب من القاعة، والاستعداد للانطلاق نحو بنسليمان في الساعات الأولى من اليوم الموالي.. وتم تهييئ الطعام في شكل وجبات لمدة يومين
* لم يساورك أي شك في طبيعة العملية رغم تسلحكم بالذخيرة الحية؟ ** لست الوحيد بل الجميع لم يساوره أدنى شك في حديث الكولونيل اعبابو، فهو الأقرب إلى الدوائر العسكرية العليا، كما أنها ليست المناورة الأولى التي نجريها بالذخيرة الحية، فقبل ذلك بأقل من سنتين أجرينا مناورة في جبل «حمرا» بوجدة بواسطة الذخيرة الحية، وكان حاضرا فيها المرحوم الأمير مولاي عبد الله والجنرال ادريس بنعمر.. وشاركت فيها العديد من الأجهزة العسكرية من الجوية إلى البرية، ومرت الأمور بخير وعلى خير.. كما أن مسيرة الضباط وضباط الصف كلها مناورات وهي الأقرب إلى حرب حقيقية، لاختبار مدى التكوين والانضباط والجدية، ولايمر شهر دون إجراء مناورة، سواء داخل المدرس أو خارجها، ويمكن أن تتم بالذخيرة الحية أو البيضاء، حسب طبيعة المشاركين في المناورة.. وحسب الدروس العسكرية المبرمجة في المقرر..
* بعد انصرافكم، هل تذاكرتم حول هذه المناورة؟ ** لا، لقد انصرف كل مسؤول لوضع آخر الترتيبات لهذه المناورة، ولا أحد بإمكانه مناقشة التعليمات العسكرية، ومن يناقش يتم تأديبه وفق القانون المعروف بالانضباط العسكري
يعتبر الجنيرال المدبوح وأعبابو، من بين أهم الرؤوس المدبرة لواقعة الصخيرات
* هل قضى الكولونيل اعبابو ليلته تلك بمدرسة اهرمومو؟ ** «هل القائد يعطي للجندي مكان وجوده؟» ينبغي أن تعرف أن الكولونيل اعبابو «تهضر معاه يطيرك» وكان ذو سيطرة وسطوة على جميع الضباط وضباط الصف، «مايقدر حتى حد يتكلم معاه»، فبالأحرى «يسول فين بايت»؟ مع العلم أنه كان يتحرك في المدرسة بحراسه الخاصين، ولايسمحوا لأي أحد بتجاوزهم، فكيف بالاقتراب منه؟ الجميع كان يخشاه، من الجندي إلى الضابط، بل عدة ضباط منا كانوا يعاملون معاملة سيئة من طرف مساعديه الأقربين الذين كانوا مجرد ضباط الصف..
من هو بنعيسى الصيابري؟
أنا مواطن مغربي من مواليد نواحي القنيطرة سنة 1949، من عائلة محافظة ووفية للعرش العلوي أبا عن جد، جدي كان فقيها فلاحا، وأخي اشتغل في جهاز الدرك الملكي سنة 1959. ولجت مركز التدريب صفرو سنة 1969، مباشرة بعد انتهاء فترة التدريب في الأكاديمية الملكية العسكرية.. وكان الكولونيل امحمد اعبابو هو مدير مدرسة هرمومو بما فيها ملحقة صفرو التي كان يسير شؤونها الرائد لوراوي..
* ماهي رتبتك في الملحقة العسكرية التي كانت في صفرو، وماهي مهمتك قبل الإنقلاب؟ ** كنت ضابطا، وأقوم بتدريس ضباط الصف مادة «المواصلات العسكرية» في السنة الأولى، كما كنت مكلفا بتدريب التلاميذ الطيارين في إطار الأفواج التي كانت تأتي إلى المدرسة من مراكش، وهناك عدد كبير من الضباط الذين تخرجوا على يدي، ومنهم من هم اليوم في رتبة عقيد.. * كم كنت تتقاضى آنذاك؟ ** حوالي 750 درهما، وهي تمثل الحد الأدنى للأجر في ذلك الزمن.
نادرا ما رأينا اعبابو
*هل كان الكولونيل اعبابو يزور مدرسة صفرو؟ **نادرا ما رأيناه داخل مركز التدريب، وكان يولي أهمية كبيرة للعسكريين في مدرسة اهرمومو التي تكبر ملحقة صفرو بحوالي عشر مرات ويمكن القول أنه زارنا فقط لمرة أو مرتين طيلة السنتين التي درست فيها، وآخر مرة زار فيها الكولونيل اعبابو الملحقة كانت بمناسبة ترقيته إلى رتبة ليوتنان كولونيل، حيث أقيم له حفل صغير على شرفه، وكانت كلمته المرتجلة شكر فيها الضباط وضباط الصف والجنود وحفزهم على الرفع من درجة التكوين، وتحقيق نسبة عالية من النجاح في كل موسم دراسي، وأكد أنه يضاهي بنا باقي المدارس الأخرى، داعيا لنا بالنجاح والتوفيق في المستقبل.. لكن رغم ذلك فإن مدرسة صفرو كان بها عسكريون لامعون وكانت أجواء التدريب والدراسة في المستوى، وكان كل ضابط يحفز تلامذته ليكونوا قادة عسكريين يضرب بهم المثل في الإخلاص للوطن والتكوين العسكري، كما زاد موقع المدرسة فوق الجبل من أهمية التداريب الميدانية..
تعلمنا أن لا نشك في الأوامر العسكرية
* نمتم تلك الليلة السابقة للانقلاب، وهيأتم وجباتكم ليومين، متى استيقظتم؟ ** كنا مستيقظين في حدود الساعة الثالثة والنصف صباحا، وبعد تناول وجبة الفطور عبارة عن قطعة خبز والزبدة وكأس من القهوة، وتم تقسيمنا إلى مجموعتين، الأولى ستمر عبر زغوطا نواحي سيدي قاسم في اتجاه بوقنادل والثانية عبر مكناس فالخميسات فغابة المعمورة.
* لماذا؟ ** لايمكن التحرك الجماعي في موكب يتكون من 30 شاحنة عسكرية، لأن من شأن ذلك وقوع بعض الحوادث وسيعرقل حركة السير، خصوصا وأننا تأخرنا لأكثر من ساعة في الانطلاقة، وعليه كان لزاما تفريقنا لمجموعتين، على أساس الالتقاء في بولقنادل..
* من كان يرأس كل مجموعة؟ ** المجموعة التي كنت ضمنها سارت وفق طريق القنيطرة، وكان القبطان بلكبير هو المسؤول عنها، فيما كان النقيب الشلاط مسؤولا عن المجموعة الثانية. وبعد حوالي سبع ساعات من السير التقينا في غابة بولقنادل..
* كم كان عدد الجنود في كل شاحنة؟ ** الشاحنة التي كنت فيها كانت تضم 40 تلميذا من ضباط الصف زائد شارجان بمتابة خليفتي، والمجموع العام كان حوالي 1200 بين الضباط وضباط الصف في المجموعتين معا. وكانت ترتيب شاحنتي السابعة ضمن 15 شاحنة في المجموعة التي كنت ضمنها.
* قبل الوصول إلى بولقنادل، لماذا لم يستوقفكم أي حاجز تفتيش سواء الشرطة أو الدرك طيلة الطريق؟ ** لم يستوقفنا أي شخص من سلطات المراقبة الطرقية من جيش أو درك أو أمن، ولم يطلب منا أي جهاز الأوراق الثبوتية أو رخصة الخروج من الثكنة، ولم يسألنا أي أحد عن وجهتنا، لا «الدوزيام بيرو» ولا الدرك الملكي ولا البوليس ولا المخازنية، ولا عمال الأقاليم التي مررنا بنفوذ ترابهم، ربما كان يوم السبت عطلة جماعية، الله أعلم. ولو قامت هذه الأجهزة بواجبها في المراقبة لأنقذوا المئات من الضحايا بين القتلى والجرحى والمعتقلين وضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وما كلف البلاد من خسارة وفوضى آنذاك، لقد ضاعت العديد من الأطر العسكرية الكفأة التي سقطت برصاص بعضنا البعض، وحرمت البلاد من تجربتها العسكرية التي كانت ستغير مجرى التاريخ العسكري الحديث..
* ألم تسائلوا أنفسكم عن سبب ذلك؟ ** ولماذا أسأل نفسي مادام خروجنا قانوني وبأمر من الكولونيل اعبابو، وكان الاعتقاد الجماعي هو «شكون اللي يقدر يحبس هذا الموكب، وسألنا منين جايين وفين غاديين؟»، مادام أن تحركنا هو في علم «إيطاماجور»، وبالتالي فكنا نعتقد أن التعليمات أعطيت لكي يسهلوا وصولنا إلى مكان المناورة..
* لكن بالنسبة للمناورات السابقة ألم يكن أي جهاز يتأكد من خروجكم القانوني من الثكنات؟ **لايمكن الخروج من المدرسة لإجراء مناورة دون الحصول على رخصة مسبقة، ويتم التأكد من ذلك من قبل عناصر الدرك الملكي أثناء الطريق، إلا المناورة التي نحن بصددها، لم ندري ما حدث..
* ولم يساوركم أدنى شك؟ ** تعلمتُ أن الجندي لايشك في الأوامر العسكرية، ولايناقشها والواجب العسكري يحتم عليه التنفيذ ولاشيء غير التنفيذ وإلا اعتبر مخالفا للضوابط العسكرية وحق عليه العقاب، كما تنص على ذلك النصوص الداخلية للقانون العسكري «التنفيذ أولا ثم طلب الاستفسار بعدها».
* في أي مواضيع كنتم تتحدثون طيلة الطريق؟ ** كنا منشغلين بالتمتع بالمناظر الطبيعية، وكان البعض يتحدث عن كرة القدم، وأمور الحياة، والأسرة.. «المهم كنا ناشطين، والجميع تقريبا كان يفكر في قضاء العطلة الصيفية بعد العودة من المناورة. بمنطقة زغوطة توقف بنا الموكب حيث أخذنا قسطا من الراحة لربع ساعة.
* طبعا لم تفارقوا أسلحتكم في الطريق؟ ** وهل يمكن تصور جندي بدون سلاح؟ هذه المناورات تشكل لنا عملية تجريبية للاستعداد لخوض حرب أو تهدئة بعض القلاقل التي تهدد استقرار الوطن..
هذا ما وقع في بوقنادل
* أي مجموعة التحقت هي الأولى بغابة بولقنادل؟ ** كانت المجموعة التي كنت ضمنها أول المجموعتين، وبعدها بعشر دقائق التحقت المجموعة الثانية بالمكان المحدد..
* في أي ساعة وصلتم؟ ** وصلنا في حدود منتصف اليوم ونصف ساعة، ولم يتركوا لنا فرصة الاستراحة، وجدنا الكولونيل اعبابو واقفا رفقة عدد من الشخصيات العسكرية بلباس مدني التي قيل لنا بأنها موفدة من القيادة العامة، وكان اعبابو يرتدي قميصا صيفيا ويضع نظارات شمسية تقيه من أشعة الشمس المحرقة، وطلب منا التحلق حولهم مشكلين نصف دائرة، وكنا حوالي 30 ضابط وضابط صف..
* من تعرف من الضباط السامين الذين كانوا معكم في بولقنادل؟ ** لم أكن أعرف إلا القليل منهم نظرا لصغر رتبتي وحداثة التحاقي بصفوف الجيش..
* عن ماذا حدثكم الكولونيل اعبابو؟ ** بالحرف قال: «معشر الضباط وضباط الصف، إن هناك عناصر تنتمي إلى النقابة وتريد إحداث حالة الشغب والفوضى في قرية الصخيرات، والمطلوب هو مواجهتها لاستتباب الأمن والطمأنينة، عبر إلقاء القبض على المشاغبين واستعمال الذخيرة في حق الهاربين بشرط إصابتهم تحت الركبة، لكي يسهل فيما بعد اعتقالهم»،. وأضاف «سأكون معكم في هذه العملية وسأشرف عليها ميدانيا، على أساس تقديم المعتقلين إلى مقر القيادة العامة، فهل من سؤال أو استفسار؟». لم يتدخل أي أحد، وأمرنا بإيصال الأوامر للجنود وضباط الصف. وقبل تفرقنا من حوله، رفعنا شعارا موحدا بصوت مرتفع «عاش الملك»، بمن فيهم الكولونيل اعبابو الذي يظهر أنه كان في عجلة من أمره، وارتدى لباسه العسكري مرفوقا بنياشينه، ونفس الأمر لباقي الضباط السامين..
* هل تحدث إليكم أحد من هؤلاء الضباط السامين كما وعدكم الكولونيل حول طبيعة المناورة خصوصا مع مستجد تغيير المكان وطبيعة الأشخاص الذين ستواجهونهم؟ ** لم يقولوا كلمة واحدة واكتفوا بتتبع كلمة الكولونيل اعبابو الذي أكد لنا أن الضباط السامين موفدون من قبل القيادة العامة، وباسمهم أكد لنا تغيير المكان من بنسليمان إلى الصخيرات. والعجيب هو ألا أحد نفى أو أكد ادعاءات الكولونيل، فكيف سنسأله عن سبب هذا التغيير؟ ثم تحركت الشاحنات، ولم يسمحوا لنا حتى بتناول وجبة الغذاء، «مشينا جيعانين»..
* يعني أنه لم يذكر لكم القصر الملكي بالصخيرات أو أن هناك عناصر انقلابية تحتله؟ ** لم يذكر لنا القصر الملكي بالحرف، وإنما اكتفى بالقول قرية الصخيرات، وهناك العديد من العسكريين ـ بحكم انحدارهم من الوسط القروي ـ لايعرفون حتى موقع الصخيرات في الخريطة..
كنا نجهل أننا داخل الإقامة الملكية
* ما هو المسار الذي اتخذتموه للوصول إلى الصخيرات؟ ** انطلقنا عبر سلا فالرباط فتمارة ثم الصخيرات، ودائما لم يسألنا أي أحد، بل هناك بعض وحدات عناصر الدرك التي كانت تسهر على سلامة مرورنا، وتغيير مسار طريق السيارات والشاحنات العمومية..
* هل تغيرت مواضيع أحاديثكم خلال الطريق مع هذه المستجدات؟ ** طبعا ساورنا بعض القلق من جراء تغيير طبيعة العملية التي تحولت من مناورة تدريبية إلى التدخل لضبط مجال جغرافي أغلبنا لم يسبق له أن اطلع عليه، ومع ذلك فقد كنا على استعداد لأي تدخل عسكري إخلاصا منا لشعار «الله الوطن الملك»، ولخدمة البلاد والعباد.
* أي اتجاه أخذه الكولونيل اعبابو؟ ** هو الذي قاد المجموعة الأولى فيما تولى شقيقه قيادة المجموعة الثانية، وفي حدود الساعة الثانية والنصف وصلنا إلى الصخيرات وكانت المسافة بين شاحنة وأخرى حوالي 10 أمتار، تأخرنا في الدخول بعد توقفنا حوالي دقيقتين، ولم يثر هذا التوقف انتباه أحد بحكم أننا طوال الطريق كنا نتوقف خصوصا وأن ذلك اليوم الصيفي كانت فيه الطريق الساحلية مكتظة سواء من قبل المارة أو السيارات. دخلت الشاحنات تلو الأخرى لنجد أنفسنا في مكان معشوشب بجانب إقامة عرفنا فيما بعد أنها الإقامة الملكية. وبأوامر مباشرة من الكولونيل اعبابو الذي وجدناه واقفا نزل الضباط من شاحناتهم وأمرهم بالتشتت في كل الاتجاهات وإطلاق النار في الهواء..
* هل لاحظت أنه مصاب في ذراعه؟ ** لم ألحظ ذلك، ويبدو أن بنيته القوية لم تظهر إصابته بطلقة نارية، وعندما مر من أمامي رفقة الشارجان الذي كان معي، لم ينتبه إلينا وأكمل تعليماته بالنزول من الشاحنات وإطلاق النار في الهواء، طبعا كان الجنود وضباط الصف والضباط يتلقون التعليمات مباشرة من الكولونيل اعبابو، وكما يقال في المثل الشعبي «إذا حضر الماء رفع التيمم»، وكان الآمر الناهي، ولأني لم أتلق أي تعليمات منه شخصيا، بقيت واقفا في مكاني أراقب الوضع وحالة الفوضى التي سادت المكان..
* عرفت حينها بأنك داخل الإقامة الملكية؟ ** قلت لك إن المكان الذي كان يحيط بنا عبارة عن فضاء معشوشب، عرفت فيما بعد أنه خاص برياضة الغولف، وبينما أنا شبه منشغل وحائر، وقد طغى علي عنصر المفاجأة، تلقيت رصاصة طائشة في قدمي، وزاد من التشويش الأوامر التي كان يصدرها الكولونيل اعبابو، صراحة كنا تائهين أمام هول ما يقع، وأصبح صوت المسدسات والرشاشات هو السائد، وكان الجميع يطلق النار بمن فيهم الحراس، واختلط الحابل بالنابل، فكان الرصاص ينطلق من كل حدب وصوب في جميع الاتجاهات..
* هل استعملت سلاحك أنت أيضا؟ ** لا لم أستعمله، وكان كل همي الخروج من هذه الورطة.. لعل الإرادة الإلهية هي التي جعلتني أصاب برصاصة طائشة، بعد دخولي للقصر الملكي بأقل من خمس دقائق، وكان همي الأساسي هو إنقاذ رجلي، وبصعوبة ترجلت من مكاني الذي كنت فيه، ورأيت الجنرال مذبوح قادما نحو المكان الذي كنت فيه بدون حراسة، وهو يرتدي لباسا مدنيا، عبارة عن قميص وسروال «كاكي» ونظارات شمسية، اعترض طريقه تلميذان من ضباط الصف، ومنعاه من التقدم أو الحركة..
* هل كانا يعرفانه؟ ** لا بالتأكيد، وشخصيا عرفته من خلال بعض صوره التي سبق لي أن اطلعت عليها، إذ لم يكن يومها مثل وسائل الإعلام كما هي اليوم، وأغلب ضباط الصف كانوا منحدرين من أوساط قروية، لهذا كان اسلوبهم في التعامل مع بعض الشخصيات سواء المدنية أو العسكرية فضا. سارعت لإنقاذ الموقف، وأعطيته التحية العسكرية، واعتذرت له باسمهما وقلت له أنهما لايعرفانه ولم يسبق لهما رؤيته، قال لي «لابأس» وسألني إن كنت رأيت الكولونيل اعبابو، أجبته بأنه يعطي أوامره للجنود والضباط في الشاحنات. ليكمل سيره بحثا عنه، وبدوري تابعت السير ..
* كم مر من الوقت على بدء هذه الفوضى ورؤيتك للجنرال المذبوح؟ ** بين 15 و20 دقيقة، وما إن افترقت معه بضع أمتار حتى رأيت الكولونيل الصفريوي الذي كان يشغل آنذاك منصب مدير الأكاديمية العسكرية، قدمت له التحية وتبين لي أنه كان مصابا بجرح غائر على مستوى رجله، وساعدته رفقة كومندان آخر، حتى ساعدته وأجلسته قرب إحدى الأشجار..
كنا شبه منومين في القصر
* هل يمكن أن تصف لنا الأجواء التي كان عليها قصر الصخيرات؟ رأيت جمعا من المدنيين محاصرين بواسطة الجنود الطلبة محيطين بجموع الناس من مدنيين وعسكرييين..
* ألم تتساءل أين هم هؤلاء الانقلابيين الذين حدثكم عنهم الكولونيل اعبابو؟ قد يكون طرح هذا السؤال بعد 38 سنة وبعد ظهور الحقائق مقبولا، لكن الظروف التي كنا فيها جعلتنا شبه منومين، وفاقدين للتمييز، ولعل هذا ما يجعل من الأقوال التي راجت فيما بعد عن وضع المخدرات في وجبة الفطور أقرب إلى التصديق. وشخصيا كانت رجلي مع مرور الوقت تنزف وتنتفخ، مما جعلني أبحث عن كيفية لإخراج الرصاصة، والجندي المصاب هو مثل المشلول لايمكنه فعل أي شيء. وبينما أنا أقاوم من أجل التحرك في فضاء لا أعرف مداخله ولا مخارجه، رأيت الليوتنان اشبرق وهو زميل لي درس معي في المرحلة الثانوية، ودخلنا معا الأكاديمية العسكرية، وكان يمتطي شاحنة طلب من السائق التوقف، إلى أن صعدت معهم وتوجهنا نحو مدينة الرباط..
كنت مأمورا ولم أطلق رصاصة واحدة
* قبل وصولكم للرباط، كيف كانت حركة المرور عبر الطريق، هل اعترضتكم أجهزة المراقبة؟ ** كان الوضع خارج قصر الصخيرات عاديا، ويبدو أن لا أحد بلغ إلى علمه مايجري، وكان سائق الشاحنة يقود بسرعة جنونية، وكأنه يسابق الزمن من أجل الوصول إلى الرباط..
* في أي ساعة وصلتم للرباط؟ ** كانت حوالي الساعة الرابعة بعد الزوال، عندما دخلنا للحي الذي يقع فيه مستوصف مقر القيادة العامة، وساعدني ضابطان حتى نزلت واتجهت نحو المصحة عبر البوابة الرئيسية، وجدت أمامي الجنيرال المفتش العام البشير البوهالي رفقة الكولونيل اعبابو..
* هل رأيت الجنيرال البوهالي في بولقنادل؟ ** لا، لم يكن ضمن الضباط السامين الذين كانوا في بوقنادل. أعطيتهما التحية العسكرية، عندها رأيت إصابة الكولونيل اعبابو على مستوى ذراعه، التمست السماح لي بمعالجة جرحي، فأذنا لي بالدخول..
* هل لمست شيئا غير عادي في حديث اعبابو مع البوهالي؟ ** كانا يتكلمان بشكل عصبي، وكأنه كان يقول له «انعل الشيطان آ كولونيل اعبابو»، وتوقفا عندما أعطيتهما التحية، واستكملا حديثهما أمام المقر الرئيسي للقيادة العامة للقوات المسلحة الملكية، داخل المصحة كانت الأمور عادية، وقامت ممرضتان بتطبيبي، ومزقا سروالي العسكري وألبساني «فوقية» ولم يستخرجا الرصاصة من رجلي وبقيت أتألم بشدة حوالي 20 دقيقة، إلى أن جاء «أسبيرون» محمد الرايس، يحمل معه جنديا جريحا، أبدى أسفه على ما وقع لي، واكتفى بالقول «مايكون عاندك باس»، وحملني في اتجاه المستشفى العسكري محمد الخامس عبر سيارة أجرة..
* هل كانت هناك آثار مواجهة أمام مقر القيادة العامة العسكرية؟ ** لا، كان الوضع عاديا، وليس هناك أثر لأي مواجهة. وعند باب المستشفى سلمت للرايس قطعة السلاح التي كانت معي والشحنة، وقلت له هذه أمانة عندك بلغها لمركز العتاد بقيادة الجيش المركزية.
* مانوع السلاح الذي كان بحوزتك؟ ** من نوع «بي إم 49»، فارقني الرايس عند مدخل المستشفى ولم أعرف وجهته فيما بعد، حتى التقيت به في السجن، قدمت للموظفين هويتي، وأطلعتهم على جرحي، وطلبوا مني المكوث في إحدى الغرف..
* لم يسألوك عن سبب هذا الجرح؟ ** بلى، وأجبتهم أني أصبت في الصخيرات، ولم يكن عندهم علم بما جرى يومها، قضيت الليلتين الأولى والثانية في المستشفى دون أن يستخرجوا الرصاصة من رجلي، وبقيت هناك حتى اليوم الثالث..
* لكن الملك الحسن الثاني ألقى خطابا أعاد فيه الأمور إلى نصابها، ألم يسألك أحد عن ظروف إصابتك؟ ** كان الجميع مشغولا بتناقل الخبر على قلة وسائل الإعلام..
هل شعرت بالخوف بعد اطلاعك على حقيقة المناورة التي كانت محاولة انقلابية؟ ** أنا كنت عبدا مأمورا ولم أطلق رصاصة واحدة، وقادتني إصابتي في رجلي للخروج من القصر..
* لكنك قطعت عشرات الكيلومترات دون أن تتساءل عن طبيعة هذه المناورة؟ ** أؤكد أن الخلل كان في القانون العسكري، الذي كان ينص على ضرورة تنفيذ الأوامر العسكرية الموجهة من الرؤساء إلى المرؤوسين بدون أي مناقشة، وتم اقتيادنا إلى الصخيرات بروح هذا الفصل، ووقع ما وقع.. وزيادة على هذا كنت مؤطرا من لدن قائد له بال وصيت عال وسط الوحدات العسكرية حيث كان يعد من أحسن الضباط السامين، وكان يضرب به المثل في الانضباط والذكاء والتدبير، وإلى حدود تلك الساعة لم يكن أحد يشك في إخلاصه لملكه ولشعارنا المقدس الخالد «الله الوطن الملك»..
اعتقلوني من المستشفى
* كيف تم اعتقالك؟ ** كان ذلك في اليوم الثالث، وبعد استخراج الرصاصة بحوالي 30 إلى 45 دقيقة، جاءني إلى المستشفى شخص برتبة ليوتنان كولونيل لا أعرف اسمه، ويرافقه أربعة من مساعديه، أمرني بالوقوف وعصبوا عيناي بـ «بانضة» وأخرجوني بعنف، وأركبوني شاحنة، كان ذلك في حدود الساعة السادسة والنصف من يوم 12 يوليوز 1971.
* هل تأكد من هويتك؟ ** لم يسألني أي سؤال واكتفى بإصدار أمره بالوقوف..
* هل شعرت بوجود ضباط آخرين معك في الشاحنة؟ ** «تهضر ترعف»، وكان صوت المحرك قويا يمنعك من استراق السمع، لم أكن أعرف الطريق التي سلكوها، لأجد نفسي بعد حوالي 10 دقائق في مقر اللواء الخفيف الذي تحول اليوم إلى الحي الجامعي مولاي اسماعيل. عرفته بمجرد أن نزعوا لعصابة عن عيني لأنه سبق لي أن قمت بفترة تدريب في سنتين من قبل. كنا بين 40 و50 من الضباط وضباط الصف، ممن كانوا معنا في المركز والمدرسة، مع العلم أن القاعة بالكاد تسع لـ 10 أفراد. قضينا أسبوعا كانت حياتنا فيه أدنى من حياة البهائم، وكانت الكرامة البشرية غائبة تماما، وعوملنا مثل الحيوانات، أو أقل، كان البعض منا يضطر لقضاء حاجته في ملابسه، لغياب مراحيض كما هي متعارف عليها، وتساوى في هذا الوضع التلميذ والأستاذ، وكنا مضطرين لتناول ما يجودون به علينا من شبه الأكل، ولم يتم التحقيق معنا ولا مساءلتنا، كان أسبوعا من القهر والتعذيب بمعنى الكلمة في الليل والنهار..
* هل كنتم تحدثون بعضكم حول الوضع الذي آليتم إليه؟ ** طبعا، وكان الجميع يتحدث عن تنفيذنا للأوامر العسكرية في جو من الانضباط، وبأن البعض استغل ذلك لتحقيق أغراض دنيئة. بعد أسبوع اقتادونا بطريقة وحشية معصبي الأعين ومصفدي الأيدي نحو مقر الإدارة العامة للأمن الوطني، حيث تم تجميعنا في البهو، وتم التحقيق معي من قبل شخص لا أعرف اسمه برتبة رائد واعتدى علي بالضرب لمجرد أني طلبت قراءة محضر أقوالي..
كنا نلتمس رحمة الله في زنازننا
* كيف كنت تقضي يومك في الزنزانة؟ ** أصبحت الأيام متشابهة، وتوقف الزمن، ولم يعد هناك أي تفكير في المستقبل، فقد ضيعه الكولونيل اعبابو، الذي عرفنا فيما بعد أنه لقي مصرعه رفقة الجنيرال البوهالي بعد مواجهة بين الرجلين داخل مقر القيادة العامة للجيش. وكان يحرسنا في السجن جنود الدرجة الثانية، وكانوا ينتقمون منا أشد انتقام، بحيث كانوا يمدوننا صباح كل يوم بلترين إلى ثلاثة لترات من الماء، وكسرة خبز يابس من الخبز الذي يستغني عنه أصحاب البقالة، بعد رشه بالماء، مع قطعة جبن، وفي وجبة الغذاء يعطوننا «الشعرية» وماء الجزر واللفت، وفي العشاء ما بقي عندهم من وجبة الغذاء، ويوم الجمعة طعام أبعد من أن يكون «كسكس»، وكان يواجهوننا بجواب كلاسيكي هو «موت ولا عيش ولا حماق شغلك هذا»، وبأسلوب ساخر واستهزائي يضيفون «نحن ننفذ الأوامر العليا». وللتغلب على هذه الأوضاع استعنا بذكر الله والبكاء على الله، والتماس رحمته وقدرته تعالى لكي نخرج أحياء في كامل قوانا العقلية من هذا السجن. وكان عدد من السجناء العسكريين فقدوا صوابهم في سجن القنيطرة، «طار ليهم الفريخ»، بهذه العبارة، ووجد كل منا نفسه حبيس زنزانة لايستطيع مد رجليه فيها بكل حرية، ولايرى جسمه أشعة الشمس، وفي الشتاء أمر آخر، فالبرد كان «كيدخل مع العظام»، وزاد من صعوبة الوضع انقطاعنا عن العالم الخارجي، «إذ يقطعونا ويرمونا للكلاب، ولا أحد يعلم بوجودنا»، وهو مايشكل انتهاكا جسيما لحقوقنا كسجناء، بغض النظر عن مشاركتنا بوعي أو بدون وعي في أحداث الصخيرات..
المحكمة لم تقتنع أنه تم التغرير بنا في مؤامرة كاذبة
* حول ماذا انصب التحقيق؟ ** كانت الأسئلة تدور حول سبب المجيء إلى الصخيرات، ومن كان يعطي الأوامر، ودوري في تلك الأحداث؟ والسلاح الذي كان معي.. إلى غيرها من الأسئلة التي كان يعاد طرحها بصيغ مختلفة، وأجهزة أمنية متعددة. وكان جوابي هو أني كنت عبدا مأمورا وتابعا للكولونيل اعبابو، وبأني مخلص لشعار «الله الوطن الملك»، وبأن القانون العسكري يفرض علي الطاعة وبعدها المناقشة، وبأن خروجنا من اهرمومو كان من أجل إجراء مناورة عسكرية في بنسليمان لنخبر على أعلى مستوى في القيادة العسكرية بوجود بعض محدثي الشغب في الصخيرات. ولم يكن هذا يقنع المحققين معي، لينهالوا علي بالضرب والسب، بل منعوني من الاطلاع على المحضر، مع العلم أن التحقيق يتم وأنا معصب العينين.. بعد مرور أسبوع كان أخف شيء ما من ظروف الاحتجاز في مقر اللواء الخفيف، وضعونا في أكياس «خناشي» كالعادة معصبي الأعين ومصفدي الأيدي، ووجدنا أنفسنا في السجن المركزي بالقنيطرة، في زنازن انفرادية لاتتعدى مساحتها مترا طولا ونصف متر عرضا ومتر ونصف متر علوا، وتنعدم فيها أشعة الشمس، وهناك وجدنا جيران لنا يسكنون معنا ممثلين في الفئران والحشرات، وكان «قادوس الواد الحار» يمر من تحتنا وكان واضحا للعيان، وكنا نقضي حاجتنا في حفرة، لتنتشر روائح تزكم الأنوف، أما الغطاء فكان عبارة عن «كاشة» تعود لسنة 1942، صفراء اللون مثقبة، وأعطونا لباسا باليا عبارة عن قميص وسروال، أما ما يسمى الأكل، فالكلاب تعافه، فما بالك بالإنسان؟ وكنا نقضي اليوم بكامله في الزنازن، واستمر الوضع على هذه الحالة دون محاكمة ودون علم أهلنا وأسرنا، لمدة 8 أشهر، فكرت في الانتحار، لكن لم أجد الوسيلة الناجعة، وقلت مع نفسي أني سأعصي الله تعالى، وكان منظر أسرتي المتكونة من أب طاعن في السن، عمل كل شيء من أجل ضمان مستقبلي، وإخوتي كانوا صغارا، إلى درجة أنهم باعوا على درجة فقرهم ما يملكون من أجل التعرف على مصيري، وظلوا يأتونني بالقفة، حتى بعد إدانتي بالسجن..
* كيف تمت محاكمتكم؟ ** كان ذلك أواخر شهر فبراير 1972، بالمحكمة العسكرية للقنيطرة، حيث أخبرنا بضرورة إشعار أهلنا قصد تنصيب محامين ينوبون عنا، وكان رئيس المحكمة هو عبد النبي بوعشرين، أما الوكيل العام للملك فكان هو رمضان بنعيادة، الذي التحق بالقضاء وأُلبس زيا عسكريا برتبة كولونيل دون أن يكون عسكريا، وكان يتحدث معنا بنصوص القانون الجنائي بينما نحن نتحاكم وفق النظام العسكري الذي لايسمح بمناقشة أوامر الرؤساء..
* حتى لو كانت غير قانونية؟ ** مادام أن مصدرها قانوني فهي بمثابة أوامر قانونية، وهناك عقوبات خاصة تطبق في حالة الإخلال بها. بعد حوالي أربع جلسات من المحاكمة وبالضبط يوم الثلاثاء 29 فبراير 1972 صدرت الأحكام القضائية في حقنا، وتراوحت بين البراءة والإعدام، وكان نصيبي سنتين سجنا نافذا بتهمة عدم التبليغ عن جناية المس بأمن الدولة. وكانت فرصتنا للحديث أمام رئيس المحكمة هي ما يعرف بالكلمة في الأخير للمتهمين، ونفيت المنسوب إلي، وذكرت الرئاسة بالفصول القانونية التي تلزم الطاعة العسكرية للرؤساء، ومع ذلك تمت إدانتي بتهمة «مادرتها بيدي ولا رجلي»، وما حصل هو أنه تم التغرير بنا في مؤامرة كاذبة..
كل ما أطلبه هو رد الاعتبار لي ولأسرتي
* وكيف قضيتم العقوبة السجنية في القنيطرة؟ ** لم تتغير الأوضاع باستثناء السماح لنا برؤية الشمس يوميا لمدة نصف ساعة، وحق الزيارة العائلية، وهناك بالسجن العسكري قضينا 13 شهرا، ولما وقعت حادثة الطائرة الملكية (يقصد محاولة الانقلاب الثانية التي قادها الجنيرال أوفقير ضد المرحوم الحسن الثاني في غشت 1972 ـ المحرر) تم نقلنا إلى السجن المدني في نفس المدينة، وكان علي المكوث في هذا السجن 61 يوما بعد انتهاء مدة العقوبة المحكوم بها، لكي أخرج خالي الوفاض مطرودا من عملي، ومواجها لصعوبات الحياة. واستمر ماضي هذه الأحداث يلاحقني في حاضري بدء من نظرات الاحتقار التي ظلت ترافقني طيلة 38 سنة إلى اليوم، من قبل الإدارات العمومية، ومحروما من حقي في التنقل سواء داخل المغرب أو خارجه، بحيث تمت مصادرة جواز سفري لمرتين، الأولى سنة 1980 والثانية سنة 1988، كنت أستعد فيها لمتابعة دراستي خارج المغرب، بل حتى ابنتي التي عينت معلمة في إحدى القرى النائية كانوا ينظرون إليها نظرات اتهام وإدانة رغم أنها لم تكن قد خلقت بعد أثناء وقوع أحداث الصخيرات، وهو ما أثر عليها وأدخلها في نوبات مرضية، ولم تعرض على الهيئات المختصة نظرا لمرضها، لتطرد من سلك التعليم، ولا أعتقد أني لو بقيت أشتغل في سلك القوات المسلحة الملكية سيقع لها ما وقع، لقد ضيعوا لنا حاضرنا ومستقبلنا. وما أطلبه هو رد الاعتبار لي ولأسرتي، وإذا كان الملك الراحل قد أطلق نداء «إن الوطن غفور رحيم» في وجه من حملوا السلاح عن اقتناع وإيمان في وجه المغرب، وهاهم يعودون معززين مكرمين لبلدهم، فالأولى أن نلقى نفس الاهتمام والرعاية، والأهم هو رد الاعتبار، فمهمها كان التعويض المادي الذي حصل عليه ضحايا معتقل تازمامارت في إطار نفس الأحداث التي اعتقلنا وحوكمنا من أجلها، فهي لن تعوض ليلة واحدة من هدر كرامتنا وانتهاك حقنا كبشر. ومهما وقع فنحن مازلنا مخلصين لشعار «الله الوطن الملك»..
نلتمس العفو من قائدنا الأعلى
أقول إن رب العزة الحق العدل رقيب على ما أقول لإنصافي وإرجاع حقي المغتصب وشبابي الضائع ومستقبل أبنائي الذي راح أدراج الرياح دون ذنب ارتكبوه، ولدت لأكون جنديا عسكريا مخلصا لملكي ولوطني، وسأظل وفيا للشعار الخالد «الله الوطن الملك». إننا ضباط وضباط الصف وتلامذتنا ضباط الصف نجدد عهدنا للملك الهمام نصره الله وسوف نبقى أوفياء لشعارنا الخالد، ومستعدين في أي وقت لتلبية نداء الوطن.، كما نلتمس من قائدنا الأعلى رد الاعتبار لنا ولأسرنا وتمتيعنا بالعفو الملكي السامي، مع تعويض ما ضاع منذ 38 سنة خلت من